×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

حب المصطفى (ص)

التحرير
بواسطة : التحرير


حب المصطفى (ص)


الحمد لله ؛ رحم هذه الأمة الخاتمة فأكرمها بأفضل خلقه ، وبعث فيها خاتم رسله، نحمده على عظيم نعمه ، ونشكره على تعدد مننه ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له { كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }الأنعام12 وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، الرحمة المهداة ، والنعمة المسداة ؛ كان أرحم نبي لأمته، وأشدهم شفقة ونصحا ، وأكثرهم عفوا وصفحا ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأتباعه إلى يوم الدين 0أما بعد : فأوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله عز وجل ؛ فلا منجاة للعباد يوم القيامة إلا بها {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }الزمر61...................
عباد الله
إن القلب هو الكنز الذي لا يقرؤه إلا من يملكه , و إن راحة الضمير أنوارٌ تتلاء في الغلس , و ينابيع متفجرة في الصحارى , و كنوزٌ داخل البيوت المهجورة , كم من الوقت ضاع لأجل الحب و في دوامته ؟ و كم من العقول ذهبت لأجل الحب و في دائرته ؟ فمحب يعيش بين الذكرى و النسيان ! و محب يتيه بين الوصل و الحرمان ! حب يسعد في الاسم , و يشقي في الرسم .
الحب تاج لكنه من حديد , و كنز و لكنه من تراب , و كل حب يلزمه فعال تصدقه .
أشواقنا نحو الحجاز تطلعت كحنين مغترب إلى الأوطان
إن الطيور و إن قصصت جناحها تسمو بهمتها إلى الطيران
كان الظلام و لم يكن غيره , و كان الحق للقوة , و كانت الحياة للرجل لا للمرأة . و لكن هذا كله تغير , و لن أتحدث عن التغير فإن المقام لا يكفي , تغير مجرى الحياة ببعثة محمد (ص) .
لما أطل محمد زكت الربى و أطل في البستان كل هشيم
تعالوا في هذا اليوم , لنجدد الحب للمصطفى (ص) , فلا نجاة لمن لا يحبه , و لا فلاح لمن لا يقدمه على نفسه و ماله و ولده فعن عبد الله بن هشام قال : كنا مع النبي صلى الله عليه و سلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال له عمر : يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي فقال النبي صلى الله عليه و سلم : لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك فقال عمر : فإنه الآن لأنت أحب إلي من نفسي فقال النبي صلى الله علي و سلم : ( الآن يا عمر ) .
قال مصعب بن عبد الله : كان مالك إذا ذكر النبي (ص) يتغير لونه و ينحني حتى يصعب ذلك على جلسائه , فقيل له يوماً في ذلك , فقال لو رأيتم ما رأيت ما أنكرتم علي ما ترون , و ذكر مالك عن محمد بن المنكدر
و كان سيد القراء (( لا نكاد نسأله عن حديث أبدا إلا يبكي حتى نرحمه )) , و لقد كنت أرى جعفر بن محمد و كان كثير الدعابة و التبسم فإذا ذكر عنده النبي (ص) اصفر لونه , و ما رأيته يحدث عن رسول الله (ص) إلا على طهارة , و كان الحسن رحمه الله إذا ذكر حديث حنين الجذع و بكائه يقول : يا معشر المسلمين , الخشبة تحن إلى رسول الله (ص) شوقاً للقائه؛ فأنتم احق أن تشتاقوا إليه .
و كان عبد الرحمن بن القاسم يذكر النبي (ص) فينظر إلى لونه كأنه نزف منه الدم , و قد جف لسانه في فمه هيبة لرسول الله (ص) , و كان عامر بن عبد الله بن الزبير إذا ذكر عنده النبي (ص) بكى حتى لا يبقى في عينيه دموع
نزف البكاء دموع عينك فاستعر عيناً لغيرك دمعها مدرار
قال عمرو بن ميمون : اختلفت إلى ابن مسعود سنة فما سمعته يقول : قال رسول الله (ص) ( و ذلك تورعاً منه أن يقول على رسول (ص) ما لم يقل )
, إلا أنه حدّث يوماً فجرى على لسانه : قال رسول الله (ص) , ثم علاه كرب , حتى رأيت العرق يتحدر عن جبهته , ثم قال : هكذا إن شاء الله , أو فوق ذا , أو ما دون ذا , ثم انتفخت أوداجه , و تربد وجهه و تغرغرت عيناه .
فأين نحن من سير هؤلاء ؟ و أين حالنا من حالهم ؟ و ما أثر الحب عندنا ؟
فهلا سرنا خلف ركابهم , لعلنا نلحق بالقوم , أو قريباً منهم , أو نقتفي آثارهم .
أسير خلف ركاب النُّجب ذا عرج .....مؤمِّلاً كشف ما لاقيت من عوج
فإن لحقت بهم من بعد ما سبقوا ...... فكم لربِّ الورى في ذاك من فرج
وإن بقيت بظهر الأرض منقطعاً ....... فما على عَرَجٍ من ذاك في حرج
فتعالوا لنعرض أنفسنا على السنة المطهرة , و لننظر إلى مظاهر الجفاء مع النبي (ص) , لعل الله أن يزيد المهتدي هدى , و أن يبدل الجفاء إلفا , و البعيد قريبا .
عباد الله
أين نحن من تطبيق السنة ظاهراً و باطنا , هل تحولت عباداتنا عادات فنسينا احتساب الأجر من الله , هل قلوبنا تعظم المصطفى (ص) و سنته , هل نسعى لتعلم السنن و نبحث عنها , هل نوقر السنة أم نستخف بها , فلعمر الله لا يستقيم قلب العبد حقيقة حتى يعظم السنة و يعمل بها , و قد قال عليه الصلاة و السلام كما في الصحيحين : فمن رغب عن سنتي فليس مني .
أليس في المجتمع من يرد أحاديث صحة عن المصطفى (ص) بأدنى حجة , كمخالفة العقل و عدم تمشيها مع الواقع و عدم إمكان العمل بها على زعمهم و افترائهم , تركوها مكابرة لقبول الأحاديث , و قد قال عليه الصلاة و السلام : لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته , يأتيه الأمر من أمري , مما أمرت به أو نهيت عنه , فيقول : لا ندري ؛ ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه .
قال الحميدي : كنا عند الشافعي رحمه الله فأتاه رجل , فسأله في مسأله ؟ فقال : قضى فيها رسول الله (ص) كذا و كذا , فقال رجل للشافعي : ما تقول أنت ؟! فقال سبحان الله ! أتراني في كنيسة ! تراني في بِيعَةٍ! ترى وسطي زنارا ؟! أقول لك : قضى فيها رسول الله (ص) و أنت تقول : ما تقول أنت ؟! . و قال مالك : أكلما جاءنا رجل أجدل من رجل , تركنا ما نزل به جبريل على محمد (ص) لجدله .
عباد الله
في عصر الإعلام يتجلى الجفاء في العدول عن سيرته (ص) و سنته و واقعه و أعماله إلى رموز آخرين , من أهل الشرق و الغرب , لأن أولائك تميزوا في بعض مهاراتهم , سواء القيادية أو السياسية , أو الفكرية أو الفلسفية , أو الرياضية أو غير ذلك , و ينسون أن المصطفى (ص) تميز في حياته كلها , فأحياء شعبا كان ميتا , فالكافر في حكم الميت {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }الأنعام122
أتطلبون من المختار معجرة يكفيه شعب من الأجداث أحياه
إن المصطفى (ص) له هيبته و جلاله , فما حال تعظيمنا له في المجالس , هل نزعنا هيبة الكلام حين نتحدث عن النبي (ص) , هل نتأدب في الكلام , هل نوقر الحديث , هل نستشعر الهيبة و الجلال النبوي .
لذا حرص أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه على تعليم الناس تعظيم النبي (ص) ميتا كتعظيمه حيا , روى البخاري رحمه الله عن السائب بن يزيد , قال : كنت نائما في المسجد فحصبني رجل , فنظرت فإذا عمر بن الخطاب فقال , اذهب فائتني بهذين فجئته بهما , قال : من أنتما ؟ أو من أين أنتما ؟ قالا : من أهل الطائف , قال : لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما , ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله (ص) .
و من جفاء السنة عدم توقير من خدموا السنة , من هجرهم و اغتيابهم و لمزهم و الاستهزاء بهم و استنقاص أقدارهم , و لو صدقوا لحلوا محلهم و حمل .
أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا
و من صور الجفاء عدم معرفة قدر الصحابة , و هم الجيل الأغر , حظ النبي (ص) من الأجيال , و هو حظهم من الأنبياء , لهم شرف الصحبة , كما لهم نور الرؤية , و قد قال عليه الصلاة و السلام فيهم : لا تسبوا أصحابي ؛ فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم و لا نصيفه .
أليس الصحابة هم أروع من ضرب الأمثلة في محبة المصطفى (ص) .
سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه : كيف كان حبكم لرسول الله (ص) ؟ قال : كان و الله احب إلينا من أموالنا و أولادنا و آبائنا و أمهاتنا , و من الماء البارد على الظمأ .
كانوا يقولون : هذه أموالنا بين يديك , فاحكم فيها بما شئت , و هذه نفوسنا بين يديك , لو استعرضت بنا البحر لخضناه , نقتل بين يديك , و من خلفك , و عن يمينك , و عن شمالك .
كانوا إذا جلسوا ليستمعوا للنبي (ص) كأن على رؤوسهم الطير .
قال عمرو بن العاص رضي الله عنه : و ما كان أحد أحب إلي من رسول الله (ص) و لا أجل في عيني منه , و ما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له , و لو سئلت أن أصفه ما أطقت ؛ لأني لم أكن أملأ عيني منه .
و لما نزل قول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ }الحجرات2
قال ابن الزبير : فما كان عمر يُسمع النبي (ص) بعد هذه الآية حتى يستفهمه , و كان ثابت بن قيس جَهْوَرِي الصوت يرفع صوته عند النبي (ص) , فجلس في بيته منكساً رأسه يرى أنه من أهل النار بسبب ذلك , حتى بشره النبي (ص) بالجنة .
ألا يا محب المصطفى زد صبابةً و ضمِّخ لسان الذكر منك بطيبه
و لا تعبأن بالمبطلين فإنما علامة حب الله حب حبيبه
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا ممن يصدق في محبتك و محبة حبيبك المصطفى (ص) , و احشرنا في زمرته , و تحت لوائه , و اسقنا من حوضه , يا ذا الجلال و الاكرام
أقول ما سمعتم ......



الخطبة الثانية

الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، نحمده ونشكره ونتوب إليه ونستغفره، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون).
أيها المسلمون: أرسل الله تعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق؛ رحمة للعالمين، وهداية للناس أجمعين، فكان من قبول رحمة الله تعالى: الإيمانُ به عليه الصلاة والسلام، وقبول شريعته، والتزام سنته. كماكان تكذيبه أو رفض شريعته رفضا لرحمة الله تعالى.
ولذا كان أسعد الناس برحمة الله تعالى يوم القيامة هم من قبلوا رحمته في الدنيا، فاتبعوا رسوله محمدا عليه الصلاة والسلام، وكان أبعد الناس عن رحمة الله تعالى في الدار الآخرة هم من لم يقبلوا رحمته في الدنيا، فلم يتبعوا رسوله صلى الله عليه وسلم.
فكن ممن قبل رحمة الله في الدنيا و اتبع رسوله , لتنل رحمته في الآخرة , و احذر أن تبعد عن رحمة الله في الدنيا بمعصية رسوله , فتنل غضب في الآخرة .
هذا و صولوا ....
بواسطة : التحرير
 0  0  2822