×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

الانضباط المدرسي

الكون بما فيه من مجرات ومجموعات شمسية وكواكب وأقمار يسير وفق نظام منضبط بقوانين دقيقة محكمة، يسير إلى غاية محددة، في حكمة وتدبير وتناسق وتكامل، ومن الصعب أن يشذ الإنسان عن هذا النظام العجيب، لأن الكون مسخر لخدمته.

وصدق الله تعلى :{صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}

وإن من القضايا التي تشغل المهتمين بالتربية والتعليم قضية الانضباط المدرسي، حتى أصبح قادة المدارس أمام تحدٍ في بداية كل عام دراسي ونهايته.

ومن خلال عملي في التعليم العام لعدد من سنوات، كنت ألمس تدفقاً لتعاميم من مقام الوزارة وتنظيمات ولجان عليا ومتوسطة لمتابعة قضية الانضباط المدرسي، وتم إطلاق مسمى (الأسبوع الحي ) في محاولة لإحياء وإنعاش ما تم التعارف عليه بالأسبوع الميت في أخر كل فصل دراسي.

وفي هذا المقال سأبتعد عن الحلول التقليدية التي سمعتها تتردد في كل لقاء، وكنت وما زلت غير راض عنها، ومن تلك الحلول التي كانت تدور-على سبيل المثال-، جعل بعض الاختبارات في الأسبوع الأخير، وأحيان في آخر حصة من يوم الخميس، كنوع من الضغط على الطلاب والطالبات للحضور وهم في حالة من الإكراه والقلق والتوتر، أو جعل ذلك الأسبوع للترفيه من أجل تجميع الطلاب والطالبات، ليُقال أنهم حضروا ثم يخرجون قبل نهاية الدوام بساعتين أو ثلاث وكأنك يا بوزيد ما غَزيت.

ولعلي أسهم بهذا المقال في إثارة الموضوع قبل أن نصل إلى ( الأسبوع الحي ) المنتظر بعد أيام؟ أو أثير أفكارا للنقاش والحوار ومنها:

لغرس قيمة الانضباط يجب أن تكون المدرسة مكاناً لاستمتاع الطلاب وراحتهم، يشعرون فيها بالأمان، وأن يغلب على البيئة المدرسية لغة التعزيز لتكون بيئة جاذبة تنعكس على انضباط الطلاب، وإلا حوّلنا سلوكهم إلى مسرحية يمثّل فيها الطلاب أدواراّ بعنوان: كيف أرضي المسؤول ؟* وأحيانا كيف أكون عبداً ذليلاً له ؟ وعندما نشارك في جعل البيئة جاذبة لطلابنا بكل الممكنات فليس ذلك خدشا في مقام الزملاء والزميلات ، لكن هذا واجب تمليه علينا لغة الحياة التي بدأت تتخطف عقول الأبناء والبنات بعوامل الجذب والإثارة والخصوصية العالية، كما أن دورنا في بناء الوطن يملي علينا ذلك ، فنحن جزء من عملية البناء.

كما أن ذلك لا يعني أيضا البدء في عملية سباق محموم وتنافسية في تقديم خدمات للطلاب والطالبات بشكل ممجوج واستعراض بهلواني .

قليل من الحب والصبر وتفهم لخصائص النمو وكيفية التعامل معهم يجعل لدينا فرصة كبيرة للاحتواء والانضباط.

لمستُ كولي أمر ومعلم ومسؤول، إيحاء بعض المعلمين والمعلمات للطلاب بالغياب في آخر أسبوع -وهم قليل جداً - لكنهم مؤثرون ، وقد يكونوا معذورين في ذلك إلى حد ما !

*لأن الوزارة تطالب بالانضباط إلى أخر دقيقة في اليوم الدراسي، ثم تُطالب الهيئة التعليمية والإدارية بتنظيم اللجان والقاعات استعدادا للامتحانات بعد انصراف الطلاب والطالبات، إضافة إلى عدد من الأعمال المكتبية، وكل ذلك من غير أن تكافئ العاملين والعاملات بخارج دوام أسوة ببقية المؤسسات، أو أن تمنح فرصة ولو ليومين أو أسبوع قبل بدء الاختبارات للتفرغ لأعمال الامتحانات، وليتفرغ الطلاب للمراجعة في منازلهم، وحتى تستشعر الأسرة بأن ساعة الصفر قد حانت. ما المانع أن تكون هناك فترة لالتقاط الأنفاس وترتيب الأعمال ؟

لماذا هذا التسارع العجيب في الضغط النفسي الرهيب على الطلاب والعاملين في المدارس.

أتصور لو استشعر الطلاب والمعلمون والمعلمات أن لديهم إجازة قبل الاختبارات لانعكس أثره في تعزيز الانضباط.

تحمل المسؤولية من المفاهيم النفسية التي تدعم عملية الانضباط ، وهي جزء* هام في الانضباط لدى الطلاب والطالبات، ويجب أن نسعى إلى تعزيز ذلك المبدأ، لتعزيز ثقتهم بأنفسهم والمشاركة في اتخاذ القرار، وأن الأمر يتعلق بمستقبلهم وأولى الناس به هم.

عندما ينشأ الطالب اتكالياً كسولاً لا يتخذ قراراً بمفرده ، يضعف لديه الانضباط الذاتي، نحن بحاجة إلى تنمية الانضباط الذاتي وأن نرفع درجته، وأن يبدأ الانضباط أولاً من المعلم والمعلمة.

إن دورنا الوطني وطريق الريادة يكمن في تحمل المسؤولية وعدم التفكير في الراحة على حساب مبادئ الحياة، فمن غير المعقول أن يذهب الأبناء والبنات للمدرسة ولديهم عدد من الحصص بلا معلم أو معلمة مما ينعكس أثره سلباً على قيم الانضباط الذاتي والقدوة والمسؤولية .

يجب أن نقر بأن أولادنا خلقوا لزمان غير زماننا وأن نفكر بطرق إبداعية تفاعلية يشعر فيها الطلاب والطالبات بالإيجابية والمسؤولية عن كل قراراتهم وأن النظام لا يرحم الكسالى والمتقاعسين .

بقلم / د. عبدالله حسن
 0  0  810