×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

الاعتراف بالخطأ من أخلاق الكبار

ابو فراج
بواسطة : ابو فراج
جل من لا يخطئ .. تعالى سبحانه في ملكوته .. لكن نحن البشر معرضون للخطأ والعاقل من اعترف بخطاه وعاد لجادة الصواب وصحح ما كان يجب تصحيحه ذلك يعد فضيلة, لكن اغلب الناس هداهم الله لا يحبذون الاعتراف بأخطائهم مهما كانت, فتأخذهم العزة بالأثم والعياذ بالله, فينتج عن ذلك ظلم كبير للإنسان في نفسه وفي مجتمعة السبب الكبرياء, والتعالي, والتمادي في الأخطاء ولا احد ينكر ان الخطأ في حياة الناس امر وارد, ولا يستطيع انسان ان يدعي العصمة مهما كان شأنه فيقول انا لا اخطئ, الا الانبياء والمرسلين وصدق رسولنا صلى عليه وسلم حين قال:"كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ " والخطأ الحقيقي هو في تمادي البعض في خطئهم وعدم اعترافهم به, والإصرار عليه, والجدال عنه بالباطل, واعتبار الرجوع عنه نقيصه, مع ان الرجوع عنه يعد من أخلاق الكبار, لأن الرجوع الى الحق يعني إكساب الاخرين رجاحة القول والرآي, وقد يُلحق النقيصة بالعائد في قراره , وهذا لايقدر عليه إلا الكبار. ولأن الرجوع الى الحق قد يُسهم في تقليل فرص الشخص في إلحاق مهام جديدة في عمله, وهذا لا يتحمله الا الكبار, والكبار لهم محطات في حياتهم يراجعون فيها انفسهم ويصححون فيها مسارهم حتى لا يسترسلون في خطأ وقعوا فيه, او هوى انساقوا اليه. فإذا كان ثمة اخطاء او هوى عالجوه قبل ان يستفحل فهم ليسوا كالصنف من الناس الذين يحددون لأنفسهم قناعات لا يحيدون عنها, او قرارات لا تقبل المراجعة والتصحيح, فحين إذ لن يسلموا في قراراتهم من هوى مطغي او خطأ مهلك, بل يوقنون بأن الانسان بشر, والبشر قد يجتهد ومهما كان اجتهاده للوصول للقرار الصحيح فإن احتمالات الخطأ وارده, ولابد من تداركها ولن يكون ذلك الا بالاعتراف بالخطأ ابتداء. وكان للعلماء في اعلان ما اخطئوا فيه وبيان رجوعهم عنه ما تندهش له الالباب! قال ابن الجوزي:"وقد كان في السلف – قدس الله ارواحهم – من اذا عرف انه قد اخطأ لم يستقر حتى يظهر خطأه, ويُعلم من افتاه بذلك" ثم روى ان الحسن ابن زياد اللؤلؤي المتوفي (204هـ) استفتى في مسألة فاخطأ فلم يعرف الذي افتاه فأقترى مناديًا فنادى الحسن بن زياد استفتى يؤكد وكذا في مسألة فاخطأ فمن كان افتاه بشيء فليرجع اليه. فمكث ايامًا لا يفتي حتى وجد صاحب الفتوى فأعلمه انه قد اخطأ وان الصواب كذا. وجاء مثل هذا عن العز عبدالسلام المتوفي عام (660هـ) فقد افتى مره بفتيا ثم ظهر له انه اخطأ فنادى في مصر والقاهرة على نفسه ان من افتى له فلان بكذا فلا يعمل به فإنه خطأ. هذا فيما كان في امر الرجوع عن الخطأ لدى الاخيار الاوائل الذين سبقونا في كل المكارم والأخلاق الفاضلة, وقِس على ذلك الكثير فيما مضى ولكن, ترى في عصرنا الحاضر هل نجد من يعود عن خطأه ويصححه او يعترف به هل نجد من يراجعون انفسهم سواء كانوا مسئولين كبار او صغار قضاه او محكمين تجار او عامة الخلق لان ذلك فيه تصحيح لأخلاق المسلم وردعها عن الظلم والفساد, والتمادي فيه والله تعالى يعلم عباده مراجعة انفسهم, ويصحح مسارهم فيمهلهم عندما يخطئون ولا يعجل لهم بالعقوبة, وهذه اشارة الى ضرورة ان يراجع الانسان نفسه اولًا بأول, ولا يطيل على نفسه الأمد فيقسوا قلبه ويعلى في المعصية "إنَّ اللهَ عزّ وجَلَّ يبْسُطُ يَدَهُ باللَّيْلِ ليتوبَ مُسِيءُ النهار ، ويَبْسُط يده بالنهار ليتُوبَ مسيءُ الليل ، حتى تطلُعَ الشَّمْسُ من مغربها" وما الامهال الا نوع من اعطاء الفرصة لمراجعة النفس, وتصحيح المسار وتعديل الخطأ الواقع, بل ان الله تعالى يجعل مجرد الإعتراف بالذنب والتوبة عنه كفيلان بقبول توبة التائب, وهذا هو الرجوع الى الحق بعينه جاء في الحديث "فإن العبد اذا اعترف ثم تاب تاب الله عليه" والكبار يدركون حجم الاصرار على خطأ ارتكبوه, او التمسك بباطل وقعوا فيه, ويعتبرون ذلك مكابرة قد تؤدي بهم الى غضب الله والوقوع فيمن شملهم العذاب, من المصرين على اخطائهم كما جا في الحديث ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" وَيْلٌ لِلْمُصِرِّينَ الَّذِينَ يُصِرُّونَ عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ " والكبار يعلمون ان الإصرار على الذنب وعدم الرجوع الى الحق بعد ان تبين لهم يعد نوعًا من الكبر المنهي عنه, وقد يؤدي الى ورودهم العذاب الشديد قال تعالى:" وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206س البقرة) " اما صغار النفوس فهم اللذين يبحثون عن الاعذار والأوهام كي يقدموها ليخفوا خلفها أخطأهم ويداروا بهم عيوبهم, فيستمرون في خطئهم الذي بدءوه وهم بذلك قد اضروا انفسهم قبل ان يضروا غيرهم, و اساءوا الى انفسهم قبل ان يسيئوا الى غيرهم, لذلك فالرجوع عن الخطأ فضيلة ورجاحة في العقل وسلوك قويم يمنع الباطل ويساند الحق وحبذا لو نرى هذا المظهر في مجتمعاتنا يسود ونشجع ونؤازر من يقوم بهذا العمل حتى لا يكون محل انتقاد بل يكون محل إشادة وتقدير فكم من الاخطاء المرتكبه الذين علم اصحابها انها اخطاء ولم يتراجعوا عنها وهذا فيه افساد وضياع للحقوق وهضم وهدر لسلوك الإنسان المؤمن القويم. نسأل الله ان يعيدنا دائمًا الى جادة الصواب وان لا نرتكب اخطاء ونصر عليها ولنعلم جيدًا ان الرجوع عن الخطأ فضيلة لا يقدم عليها إلا الكبار اصحاب الفكر النير والقلوب السليمة ورجاحة العقل والقريحة والذين يخافون العقاب من الله سبحانه وتعالى وليس من الناس ولا يتمادون في باطل عرفوه, جعلنا الله جميعًا ممن يعترف بخطئه ويعود عنه فإن ذلك من فضائل الإنسان المسلم في كل عصر ويتماشى مع شريعتنا السمحة وديننا الحنيف يأمرنا بكل فضيلة وينهانا عن كل رذيلة وصلى الله وسلم على نبينا محمد..
العقيد م/ محمد فراج الشهري
بواسطة : ابو فراج
 0  0  7589