سلامة المنهج وأثرها في الدعوة إلى الله .
دين الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله – عز وجل – للناس، وقد بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم إلى البشرية عامة؛ دون النظر إلى بيئاتهم ومواقعهم، وأوضاعهم الاجتماعية، فرسالة الإسلام رسالة تجاوزت مفهوم القوم والجماعة، إلى جميع أقطار الأرض؛ حيث كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يُبعثون إلى قومهم خاصة؛ كما بين ذلك الله - عز وجل - في مواضع متعددة من القرآن، منها قوله تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ } [ العنكبوت : 14 ] وقوله عز وجل : { وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ۗ } [ الأعراف : 65 ] ، فكانت رسالة كل نبي لاتتجاوز قومه وعشيرته، حتى جاءت رسالة الإسلام؛ لتكون امتداداً لقافلة المرسلين عليهم جميعاً أفضل الصلوات وأزكى التسليم، الذين بلّغوا رسالات ربهم، وأنذروا قوامهم، وتحملوا ما أصابهم من البلاء والأذى، في سبيل البلاغ عن الله تعالى، وقد بقيت آثار دعوتهم ونصحهم وإرشادهم وتوجيههم لقومهم ما شاء الله أن تبقى؛ حتى بُعث سيد المرسلين وإمام المتقين محمد صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة، قال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } [ سبأ : 28 ] قال الطبري – رحمه الله – في تفسير هذه الآية : وما أرسلناك يا محمد إلى هؤلاء المشركين بالله من قومك خاصة، ولكنا أرسلناك كافة للناس أجمعين؛ العرب منهم والعجم، والأحمر والأسود، بشيرًا من أطاعك، ونذيرًا من كذبك ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) أن الله أرسلك كذلك إلى جميع البشر.
وجاء فيما رواه البخاري من حديث جابر بن عبدالله – رضي الله عنهما – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ) أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي ... ) وذكر منها ( ... وكان النبي يُبعَثُ إلى قومه خاصة وبُعثتُ إلى الناس عامة ) ومن هذا المنطلق فإن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام تتسم بالعلم، والحكمة، والصبر، والاحتساب، وتَحَمُلِ الأذى، والتدرج في البلاغ، واللين والرفق ، ومراعاة المصالح والمفاسد، وجماعُ ذلك كله في سلامة المنهج وصحته، وحفظه من الزيغ والانحراف، وقد رسم الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم منهجاً عظيماً، في الدعوة إلى الله، ينبغي لكل داعية ألا يتجاوزه وألا يحيد عنه، قال تعالى : { ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } [ النحل : 125 ] . وجاء في صحيح البخاري عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا، وَلاَ تُنَفِّرُوا ) . فكان عليه الصلاة والسلام يراعي في دعوته أحوال الناس، وظروفهم، برفق ولين، ولطف في الخطاب، وإكرام في المعاملة، من غير عنف ولا تأنيب ولا استهزاء، ويحاور بالحجة والدليل؛ دون تكبر أو تجبر، وقد راعى عليه الصلاة والسلام التدرج في الدعوة إلى الله تعالى، فبدأ بدعوة الأهل والعشيرة قبل الآخرين، وتصحيح العقيدة قبل تطبيق الأحكام، وقد أدى هذا المنهج العظيم إلى : إجلال الداعية، وتوقيره واحترامه ومحبته، والسعي إلى نصرته، والاقتداء به، وسرعة انتشار الدعوة، ودخول الناس في دين الله أفواجاً دون إكراه .
والأمة شريكة لرسولها صلى الله عليه وسلم في وظيفة الدعوة إلى الله، لأن الأصل في خطاب الله لرسوله صلى الله عليه وسلم دخول أمته فيه إلا ما استثني، ومعنى ذلك أن الله تبارك وتعالى أكرم هذه الأمة وشرفها أن أشركها مع رسوله صلى الله عليه وسلم في وظيفة الدعوة إلى الله، ولَمّا لم يكن نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم، فقد وكّلَت الدعوة إلى العلماء والدعاة من أمته، ليُعلموا الناس ما جهلوا، ويذكرونهم ما نسوا، ويهدونهم صراط الله المستقيم، ومن هنا جاءت أهمية الدعوة وتأصيلها، ولأن الإسلام هو موضوع الدعوة وحقيقتها، فلابد للدعوة إليه أن تكون وفق منهج الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح، لاسيما وأن الدعوة إلى الله سمة من سمات هذه الأمة، يتحتم على حامل لوائها أن يراعي عظم هذا الدين ورفعته ومكانة أمته .
والدعوة إلى الله تعالى لاتكون على طريقة مأمونة حتى تلتزم منهج الكتاب والسنة، وفهم السلف الصالح من علماء الأمة، وتبتعد عن الأهواء والاجتهادات الباطلة، دون معرفة بالعلم والتأصيل الشرعي، ومن الأهمية أن يعرف الداعية ما كان عليه السابقون من الصحابة – رضي الله عنهم – ومن تبعوهم بإحسان، ومن سار على هذا المنهج من أئمة أهل العلم، حتى يُجنب دعوته الانحراف عن طريق الهدى ومنهج الحق .
وإذا كانت الدعوة إلى الله مؤصلة تأصيلاً علمياً، وفق منهج الكتاب والسنة؛ ثبت أصحابها في الملمات، ونجوا من الفتن والضلالات، وابتعدوا عن إثارة العواطف، وحماسة المواقف، لأن الدعوة إذا ساد فيها التعجل، وتحكمت في مسارها العواطف، اضطربت وماج أصحابها، فوقعوا في الفتن، ولم يثبتوا أمام أعاصير المحن، فكان ضررهم على الأمة أكثر من نفعهم .
ولاشك أن فقدان التأصيل الشرعي لدى بعض الدعاة جر على الأمة اضطراباً في الفكر، وانحرافاً في المنهج، فتعلق بعض أبنائها بالعاطفة، وانساق خلف التزيين، وابتعد عن البرهان والدليل، واتبع الحزبية وأربابها، وأهمل مقاصد الشريعة وغاياتها.
ومن أهم سمات الدعوة السلفية الحث على الاجتماع، ونبذ الافتراق؛ فهم دعاة إلى الجماعة، والبعد عن الفرقة، فما من وسيلة تدعو إلى اجتماع الناس إلا حثوا عليها وعملوا بها، وما من وسيلة تدعو إلى الافتراق إلا نبذوها وحذروا منها، ومن سمات دعوة السلف الصالح – رحمهم الله – الحث على السمع والطاعة لولي الأمر، والاجتماع على من له الولاية، وهو ولي الأمر المبايع، ولذلك ذموا الخوارج وغيرهم من الفرق التي تدعو إلى الخروج على ولاة الأمر ومن له البيعة الشرعية، وليس من الدين، ولا من الكتاب والسنة، ولا منهج السلف الصالح؛ أن يكون هناك بيعتان : بيعة للدولة والحاكم على السمع والطاعة، وبيعة أخرى للجماعة أو المرشد أو الطريقة، فليس هناك في دين الله إلا بيعة واحدة لإمام المسلمين الذي اجتمع عليه الناس، وكل بيعة خلاف البيعة المعروفة التي تؤدي إلى السمع والطاعة لإمام المسلمين وولي أمرهم فهي بيعة باطلة. ومن سمات المنهج الحق في الدعوة إلى الله؛ سمة الإلتزام بالوسطية والاعتدال، فلا يكون الداعية مع أهل الغلو، ولا مع أهل الجفاء، ويكون في منهج الدعوة وسط بين الطرفين، وهذا يجعل الدعوة باقية مستمرة، وقابلة للانتشار والقبول بين الناس، لأن كل دعوة خرجت عن منهج السلف، واتبعت الغلو والمبالغة، لايكتب الله لها الاستمرار، وإنما يكتب الله الاستمرار للدعوة التي تتمسك بمنهج الكتاب والسنة والسلف الصالح .
وقد رأينا بعض من فقد التأصيل الشرعي يدعو إلى تقديم السياسة على الدين، ويحث إلى قلب الأنظمة باسم الدعوة إلى الله، وهذا من أبطل الباطل الذي يفضي إلى ما لا تحمد عقباه، ويؤدي إلى فتن وشرور لانهاية لها، وشاهدنا أتباع هؤلاء الدعاة، خرجوا على حكامهم، وقاطعوا آبائهم، وانتهكوا أعراض إخوانهم، وهتكوا حرمة مساجد الله، وانقلبوا إلى وحوش كاسرة تنهش الأعراض، وتسفك الدماء، وتسلب الأموال، وتدمر الممتلكات، مما شوه صورة الإسلام، ونفر الناس منه، وهيأ المبررات لأعدائه للدخول بلاد المسلمين، وسفك دمائهم، واحتلال أرضهم بدعوى محاربة الإرهاب، بل أصبحوا معول هدم بأيدي الأعداء يوظفونهم لضرب الأمة بعضها ببعص باسم الإسلام .
ومقام الدعوة في الإسلام مقام عظيم، وهي وسيلة من وسائل انتشاره، وأساس من أساس بقائه، وركن من أركان قيامه، وبها يسود الأمن، ويتحقق السلام، فالدعوة إلى الله شرفها عظيم، ومقامها رفيع، وفيها إمامة للناس، وهداية للخلق، ومن هنا يجب على الداعية إلى الله تعالى أن يتحلى بالمنهج السليم، الذي قامت عليه دعوة السلف الصالح – رحمهم الله – وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ليفوز بمرضاة الله، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ما للداعية من أجر عظيم، وثواب جزيل، ما دام اثر دعوته نافعاً . قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخاري من حديث طويل لعلي بن أبي طالب- رضي الله عنه : ( فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم ...) وحمر النعم : الإبل النفيسة . قال ابن حجر في فتح الباري : ( قيل المراد : خير لك من أن تتصدق بها، وقيل : تقتنيها وتملكها ..) وجاء في صحيح مسلم عن أبي هرير- رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من دعى إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لاينقص ذلك من أجورهم شيئاً .. ) ولذلك وجب حماية جناب الدعوة إلى الله من أن تُستغل لأهداف شخصية، أو مطامع حزبية، وأغراض سياسية، وليكن ذلك بتجردٍ ووضوح، حتى لاينجرف شبابنا في مزالق الفتن، ويغرر بهم اهل الأهواء، وليكن دورنا في حماية عقول شبابنا دورٌ بارزٌ، وجهودنا في محاربة الأفكار المنحرفة جهود صريحة وشجاعة، حتى نجنب وطننا، وأمننا، ولحمتنا؛ خطر الأفكار الهدامة، والتواجهات المنحرفة .
أسأل الله عز وجل أن يوفق دعاتنا لكل خير، وان يصلح شأن الأمة، وأن يؤلف بين القلوب، وأن يهدينا حسن الاتباع لنبينا صلى الله عليه وسلم، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل .
وجاء فيما رواه البخاري من حديث جابر بن عبدالله – رضي الله عنهما – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ) أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي ... ) وذكر منها ( ... وكان النبي يُبعَثُ إلى قومه خاصة وبُعثتُ إلى الناس عامة ) ومن هذا المنطلق فإن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام تتسم بالعلم، والحكمة، والصبر، والاحتساب، وتَحَمُلِ الأذى، والتدرج في البلاغ، واللين والرفق ، ومراعاة المصالح والمفاسد، وجماعُ ذلك كله في سلامة المنهج وصحته، وحفظه من الزيغ والانحراف، وقد رسم الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم منهجاً عظيماً، في الدعوة إلى الله، ينبغي لكل داعية ألا يتجاوزه وألا يحيد عنه، قال تعالى : { ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } [ النحل : 125 ] . وجاء في صحيح البخاري عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا، وَلاَ تُنَفِّرُوا ) . فكان عليه الصلاة والسلام يراعي في دعوته أحوال الناس، وظروفهم، برفق ولين، ولطف في الخطاب، وإكرام في المعاملة، من غير عنف ولا تأنيب ولا استهزاء، ويحاور بالحجة والدليل؛ دون تكبر أو تجبر، وقد راعى عليه الصلاة والسلام التدرج في الدعوة إلى الله تعالى، فبدأ بدعوة الأهل والعشيرة قبل الآخرين، وتصحيح العقيدة قبل تطبيق الأحكام، وقد أدى هذا المنهج العظيم إلى : إجلال الداعية، وتوقيره واحترامه ومحبته، والسعي إلى نصرته، والاقتداء به، وسرعة انتشار الدعوة، ودخول الناس في دين الله أفواجاً دون إكراه .
والأمة شريكة لرسولها صلى الله عليه وسلم في وظيفة الدعوة إلى الله، لأن الأصل في خطاب الله لرسوله صلى الله عليه وسلم دخول أمته فيه إلا ما استثني، ومعنى ذلك أن الله تبارك وتعالى أكرم هذه الأمة وشرفها أن أشركها مع رسوله صلى الله عليه وسلم في وظيفة الدعوة إلى الله، ولَمّا لم يكن نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم، فقد وكّلَت الدعوة إلى العلماء والدعاة من أمته، ليُعلموا الناس ما جهلوا، ويذكرونهم ما نسوا، ويهدونهم صراط الله المستقيم، ومن هنا جاءت أهمية الدعوة وتأصيلها، ولأن الإسلام هو موضوع الدعوة وحقيقتها، فلابد للدعوة إليه أن تكون وفق منهج الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح، لاسيما وأن الدعوة إلى الله سمة من سمات هذه الأمة، يتحتم على حامل لوائها أن يراعي عظم هذا الدين ورفعته ومكانة أمته .
والدعوة إلى الله تعالى لاتكون على طريقة مأمونة حتى تلتزم منهج الكتاب والسنة، وفهم السلف الصالح من علماء الأمة، وتبتعد عن الأهواء والاجتهادات الباطلة، دون معرفة بالعلم والتأصيل الشرعي، ومن الأهمية أن يعرف الداعية ما كان عليه السابقون من الصحابة – رضي الله عنهم – ومن تبعوهم بإحسان، ومن سار على هذا المنهج من أئمة أهل العلم، حتى يُجنب دعوته الانحراف عن طريق الهدى ومنهج الحق .
وإذا كانت الدعوة إلى الله مؤصلة تأصيلاً علمياً، وفق منهج الكتاب والسنة؛ ثبت أصحابها في الملمات، ونجوا من الفتن والضلالات، وابتعدوا عن إثارة العواطف، وحماسة المواقف، لأن الدعوة إذا ساد فيها التعجل، وتحكمت في مسارها العواطف، اضطربت وماج أصحابها، فوقعوا في الفتن، ولم يثبتوا أمام أعاصير المحن، فكان ضررهم على الأمة أكثر من نفعهم .
ولاشك أن فقدان التأصيل الشرعي لدى بعض الدعاة جر على الأمة اضطراباً في الفكر، وانحرافاً في المنهج، فتعلق بعض أبنائها بالعاطفة، وانساق خلف التزيين، وابتعد عن البرهان والدليل، واتبع الحزبية وأربابها، وأهمل مقاصد الشريعة وغاياتها.
ومن أهم سمات الدعوة السلفية الحث على الاجتماع، ونبذ الافتراق؛ فهم دعاة إلى الجماعة، والبعد عن الفرقة، فما من وسيلة تدعو إلى اجتماع الناس إلا حثوا عليها وعملوا بها، وما من وسيلة تدعو إلى الافتراق إلا نبذوها وحذروا منها، ومن سمات دعوة السلف الصالح – رحمهم الله – الحث على السمع والطاعة لولي الأمر، والاجتماع على من له الولاية، وهو ولي الأمر المبايع، ولذلك ذموا الخوارج وغيرهم من الفرق التي تدعو إلى الخروج على ولاة الأمر ومن له البيعة الشرعية، وليس من الدين، ولا من الكتاب والسنة، ولا منهج السلف الصالح؛ أن يكون هناك بيعتان : بيعة للدولة والحاكم على السمع والطاعة، وبيعة أخرى للجماعة أو المرشد أو الطريقة، فليس هناك في دين الله إلا بيعة واحدة لإمام المسلمين الذي اجتمع عليه الناس، وكل بيعة خلاف البيعة المعروفة التي تؤدي إلى السمع والطاعة لإمام المسلمين وولي أمرهم فهي بيعة باطلة. ومن سمات المنهج الحق في الدعوة إلى الله؛ سمة الإلتزام بالوسطية والاعتدال، فلا يكون الداعية مع أهل الغلو، ولا مع أهل الجفاء، ويكون في منهج الدعوة وسط بين الطرفين، وهذا يجعل الدعوة باقية مستمرة، وقابلة للانتشار والقبول بين الناس، لأن كل دعوة خرجت عن منهج السلف، واتبعت الغلو والمبالغة، لايكتب الله لها الاستمرار، وإنما يكتب الله الاستمرار للدعوة التي تتمسك بمنهج الكتاب والسنة والسلف الصالح .
وقد رأينا بعض من فقد التأصيل الشرعي يدعو إلى تقديم السياسة على الدين، ويحث إلى قلب الأنظمة باسم الدعوة إلى الله، وهذا من أبطل الباطل الذي يفضي إلى ما لا تحمد عقباه، ويؤدي إلى فتن وشرور لانهاية لها، وشاهدنا أتباع هؤلاء الدعاة، خرجوا على حكامهم، وقاطعوا آبائهم، وانتهكوا أعراض إخوانهم، وهتكوا حرمة مساجد الله، وانقلبوا إلى وحوش كاسرة تنهش الأعراض، وتسفك الدماء، وتسلب الأموال، وتدمر الممتلكات، مما شوه صورة الإسلام، ونفر الناس منه، وهيأ المبررات لأعدائه للدخول بلاد المسلمين، وسفك دمائهم، واحتلال أرضهم بدعوى محاربة الإرهاب، بل أصبحوا معول هدم بأيدي الأعداء يوظفونهم لضرب الأمة بعضها ببعص باسم الإسلام .
ومقام الدعوة في الإسلام مقام عظيم، وهي وسيلة من وسائل انتشاره، وأساس من أساس بقائه، وركن من أركان قيامه، وبها يسود الأمن، ويتحقق السلام، فالدعوة إلى الله شرفها عظيم، ومقامها رفيع، وفيها إمامة للناس، وهداية للخلق، ومن هنا يجب على الداعية إلى الله تعالى أن يتحلى بالمنهج السليم، الذي قامت عليه دعوة السلف الصالح – رحمهم الله – وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ليفوز بمرضاة الله، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ما للداعية من أجر عظيم، وثواب جزيل، ما دام اثر دعوته نافعاً . قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخاري من حديث طويل لعلي بن أبي طالب- رضي الله عنه : ( فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم ...) وحمر النعم : الإبل النفيسة . قال ابن حجر في فتح الباري : ( قيل المراد : خير لك من أن تتصدق بها، وقيل : تقتنيها وتملكها ..) وجاء في صحيح مسلم عن أبي هرير- رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من دعى إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لاينقص ذلك من أجورهم شيئاً .. ) ولذلك وجب حماية جناب الدعوة إلى الله من أن تُستغل لأهداف شخصية، أو مطامع حزبية، وأغراض سياسية، وليكن ذلك بتجردٍ ووضوح، حتى لاينجرف شبابنا في مزالق الفتن، ويغرر بهم اهل الأهواء، وليكن دورنا في حماية عقول شبابنا دورٌ بارزٌ، وجهودنا في محاربة الأفكار المنحرفة جهود صريحة وشجاعة، حتى نجنب وطننا، وأمننا، ولحمتنا؛ خطر الأفكار الهدامة، والتواجهات المنحرفة .
أسأل الله عز وجل أن يوفق دعاتنا لكل خير، وان يصلح شأن الأمة، وأن يؤلف بين القلوب، وأن يهدينا حسن الاتباع لنبينا صلى الله عليه وسلم، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل .
علي بن سالم الزويكي .