×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

الموت

التحرير
بواسطة : التحرير

الموت

الحمدُ للهِ الذي يرجعُ إليهِ الأمرُ كلُهُ , علانيتُهُ و سرهُ , خلقَ فسوى ,
و قدرَ فهدى , و أخرجَ المرعى , فجعلَهُ غثاءً أحوى , يحكمُ ما يشاءُ ,
و يفعلُ ما يريدُ , لا رادَ لحكمهِ , و لا معقبَ لأمرهِ , هو الواحدُ القهارُ , و هو العزيزُ الجبارُ , أشهدُ أن لا إلهَ إلا هوَ مالكُ الملكِ وحدَهُ لا شريكَ لهُ , و أشهدُ أن صفيَّهُ و خليلَهُ محمدٌ عبدُ اللهِ و رسولهُ , أرسلَهُ بالهدى
و النورِ المبينِ , صلواتُ اللهِ و سلامُهُ عليهِ , و على آلهِ الطيبينَ الطاهرينَ و صحابتِهِ الغرِ الميمينِ , و من تبعهُم بإحسانِ إلى يومِ الدين .
أمــا بعدُ
فيا عبادَ اللهِ
يقولُ اللهُ تعالى {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً
فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }يونس24
نعم و اللهِ إن هذهِ الدنيا ما لها من قرار , بينما الإنسانُ يسيرُ فيها بآمالٍ عريضةٍ , و يتجولُ في أنحائها مستبشراً مسرورا , و ما هي إلا لحظاتٌ ,
و يقالُ كان فلانٌ فمات , فيا ترى ما حالُنا بعد الممات , و هل حياتُنا ترضي ربَ الأرضِ و السماواتِ , أما لنا في الأمواتِ عبرٌ و عضاتٌ , كم عرفنا , و كم فارقنا , و كم أحببنا , فهل بقوا معنا , هل تركهُم الموتُ , أم أنهُ يومٌ لا مفرَ منهُ , و ساعةٌ لا مناصَ عنها . { وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ{19} وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ{20} وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ{21} لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ{22} وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ{23} أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ{24} مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ{25} الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ{26} قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ{27} قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ{28} مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ{29} يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ{30} وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ{31} هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ{32} مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ{33} ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ{34} لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} ق.
فيا ترى ما هيَ أحوالُ الموتى ؟ كيفَ كانَت آخرُ لحظاتِ حياتِهِم ؟ ما ذا قالوا عندَ الاحتضارِ ؟ ما ذا يشتهونَ عند الموتِ ؟
دخل المزنيُ على الإمامِ الشافعيِ في مرضهِ الذي توفيَ فيهِ
فقالَ لهُ :كيفَ أصبحتَ يا أبا عبدِ اللهِ ؟!
فقالَ الشافعيُ :أصبحتُ من الدنيا راحلا, و للإخوانِ مفارقا , و لسوءِ عملي ملاقيا , و لكأسِ المنيةِ شاربا , و على اللهِ واردا , و لا أدري أروحي تصيرُ إلى الجنةِ فأهنيها , أم إلى النارِ فأعزيها , ثم أنشأ يقولُ :
و لما قسا قلبي و ضاقت مذاهبي ## جعلتُ رجائي نحو عفوكَ سلما تعاظمني ذنبي فلما قرنتُهُ ## بعفوكَ ربي كانَ عفوكَ أعظما
فما زلتَ ذا عفوٍ عن الذنبِ لم تزل ## تجودُ و تعفو منـةً و تكـرمـا
يقولُ الدكتور خالد الجبير استشاريُ جراحةِ القلبِ في كتابهِ : مشاهداتٌ طبيبٌ : ذهبتُ يومَ الثُلاثاءِ عصرًا إلى أحدِ الأخوةِ أُناصحهُ في أمرِ المحافظةِ على الصلاةِ ، وبعدَ أن جادلني وجادلتُهُ قالَ لي يا أبا محمد إن كانَ ما أتى بكَ إلا مجادلتي في هذا الموضوعِ فغيِّر الموضوعَ . قلتُ لهُ : يا أبا فلان اتقِ اللهَ فأنتَ لا تعلمُ متى ستموتُ ، ولا أينَ ، فقد تموتُ غدًا أو الآنَ أو بعدَ ساعةٍ . ردَ بسخريةٍ : أنا ما زلتُ شابًا وأبي لم يمت حتى بلغَ السبعينَ ، وإذا بلغتُ ستينَ سنةِ فسوفَ أصلي . قلتُ لهُ اتقِ اللهَ ، الموتُ يأتيكَ في أيِّ لحظةٍ فردَّ بسخريةٍ مردِّدًا ما قالهُ ، فخرجتُ من عندِهِ حزينا . وفي يومِ الأربعاءِ وعندَ تمامِ الساعةِ العاشرةِ مساءاً أي بعدَ ثلاثينَ ساعةٍ فقط من مقابلتي لهُ اتصلَ بي أحدُ الأخوةِ وقالَ إن أبا فلان و يعني بهِ من كنتُ أناصحهُ بالأمسِ - مات َعصرَ اليومِ في حادثِ سيَّارةٍ على طريقِ الدمامِ .
لقد نزلَ عليَّ الخبرُ كالصاعقةِ ، أسفتُ لحالِهِ وتذكرتُ جدالَهُ وحوارَهُ وسخريتَهُ كان يطمعُ أن يعيشَ سنواتٍ , ولم يُمهل إلا أربعًا وعشرينَ ساعةً .
تزود من التقوى فإنكَ لا تدري *** إذا جنَ ليلٌ هل تعيشُ إلى الفجرِ
فكم من صحيحٍ ماتَ من غيرِ علةٍ ** وكم من سقيمٍ عاشَ حينا من الدهرِ
وكم من صبيٍ يرتجى طولُ عمرهِ *** وقد نُسِجَت أكفانهُ وهو لا يدري
ثم ذكرَ قصةً أخرى يقولُ فيها : قالَ ليَ الأخ (ضياء) مغسلُ الموتى في مستشفى القواتِ المسلحةِ بالرياضِ : جاءني ضابطُ صفٍ من القواتِ الجويةِ وطلبَ مني مساعدتَهُ في إجراءاتٍ لزميلٍ لهُ قد توفاهُ اللهُ
يقولُ الأخ ضياء : فقمتُ أنا وضابطُ الصفِ هذا بتغسيلِ صديقهِ في الساعةِ الحاديةِ عشرةَ والنصفَ ثم افترقنا هو أخذَ متوفاه إلى المسجدِ ليصلي عليه ِومن ثم إلى المقبرةِ وأنا ذهبتُ لأستعدَ لصلاةِ الظهر . وفي الساعةِ الواحدةِ ظهرا اتصلَ بي من المستشفى وذكروا لي أن هناكَ متوفى قد وصلَ المستشفى . ويريدُ أهلهُ أن يُصلَّى عليهِ العصرَ فجئتُ مسرعاً وعندما كشفتُ الغطاءَ عن وجههِ فإذا بي أجدُ المفاجأة إنهُ ضابطُ الصفِ الذي كان معي قبلَ ساعتينِ وهو الذي شاركني في تغسيلِ زميلهِ المتوفى وحملهُ للصلاةِ عليهِ . لقد أُصِبْتُ بصدمةٍ كبيرةٍ ولم أتمالك نفسي فذهبتُ إلى مكتبتي وجلستُ قليلاً ذكرتُ اللهَ ثم توكلتُ عليهِ سبحانهُ وذهبتُ وغسلتُ هذا الرجلَ وبعدَ أن أنهيتُ غسلَهُ سألتُ أهلهُ ما الذي جرى ؟ قالوا لي : عندما نزلَ إلى القبرِ ووضعَ صاحبهُ فيهِ وأرادَ أن يخرجَ من القبرِ أصيبَ بألمٍ شديدٍ في صدرهِ فماتَ في قبرِ صاحبهِ أ.هـ حفظه الله .
عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قالَ: خطَ النبيُ (ص) خطاً مربعاً، وخطَ خطاً في الوسطِ خارجاً منهُ، وخطَ خططاً صغاراً إلى هذا الذي في الوسطِ من جانبهِ الذي في الوسطِ، فقال(هذا الإنسانُ، وهذا أجلهُ محيطٌ بهِ - أوقد أحاطَ بهِ - وهذا الذي هو خارجٌ أملهُ، وهذهِ الخططُ الصغارُ الأعراضُ، فإن أخطأهُ هذا نهشهُ هذا، وإن أخطأهُ هذا نهشهُ هذا ((البخاري .
وقالَ القرطبيُ: ( وأجمعتِ الأمةُ على أن الموتَ ليس له سنٌ معلومٌ، ولا زمنٌ معلومٌ، ولا مرضٌ معلومٌ، وذلك ليكونَ المرءُ على أهبةٍ من ذلكَ، مستعداً لذلك (
وكان بعضُ الصالحينَ ينادي باليلِ على سورِ المدينةِ: الرحيلَ الرحيلَ. فلما توفي فقدَ صوتهُ أميرُ المدينةِ، فسألَ عنهُ فقيلَ: إنه قد ماتَ فقالَ:
ما زالَ يلهجُ بالرحيلِ وذكرهِ *** حتى أناخَ ببابهِ الجمالُ
فأصابهُ مستيقظاً متشمراً *** ذا أهبةٍ لم تلههِ الآمالُ
كان يزيدُ الرقاشي يقولُ لنفسهِ: ( ويحكَ يا يزيدُ! من ذا يصلي عنكَ بعدَ الموتِ ؟ من ذا يصومُ عنكَ بعدَ الموتِ ؟ من ذا يترضى ربكَ عنكَ بعدَ الموتِ ؟ ثم يقولُ: أيها الناسُ! ألا تبكونَ وتنوحونَ على أنفسِكُم باقي حياتِكُم؟ مَن الموتُ طالبهُ.. والقبرُ بيتهُ.. والترابُ فراشهُ.. والدودُ أنيسهُ.. وهو مع هذا ينتظرُ الفزعَ الأكبرَ.. كيفَ يكونُ حالهُ ؟ ) ثم يبكي رحمهُ اللهُ.
بينا الفتى مرحُ الخطا فرحٌ بما *** يسعى لهُ إذ قيلَ قد مرضَ الفتى
إذ قيلَ باتَ بليلةٍ ما نامها *** إذ قيلَ أصبحَ مثخنا ما يُرتجى
إذ قيلَ أصبحَ شاخصاً وموجهاً *** ومعللاً إذ قيلَ أصبحَ قد مضى
يا أيها الناس
يقولُ ربُكُم جلَ وعلا {مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }العنكبوت5 وقالَ {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ }السجدة11 وقالَ {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }الجمعة8
قال ابنُ القيمِ رحمهُ اللهُ : " ( ومن تأملَ أحوالَ الصحابةِ وجدهُم في غايةِ العملِ معَ غايةِ الخوفِ ونحنُ جمعنا بين التقصيرِ بلِ التفريطِ والأمنِ فاللهم غفرانكَ ).
اذكروا يا عبادَ اللهِ إذا بلغتِ القلوبُ التراقيَ وقيلَ من راق وظنَ أنهُ الفراقُ
والتفتِ الساقُ بالساقِ إلى ربكَ يومئذٍ المساقُ اذكروا يومَ الصاخةِ يومَ الطامةِ يومَ الحاقةِ .اذكروا إذا وقعتِ الواقعةُ ليس لوقعتها كاذبةٌ خافضةٌ رافعةٌ .
لما حضرتِ الوفاةُ معاذَ بنَ جبلٍ قالَ لابنهِ يا بُنيَّ انظر هل طلعَ الفجرُ ،
قال َ : لا ، ثم قالَ لهُ ثانيةً : يا بُنيَّ انظر هل طلعَ الفجرُ ؟ قالَ : نعم . قالَ معاذ : اللهم إنكَ تعلمُ أني لم أكن أحبُ الدنيا وطولَ البقاءِ فيها لغرسِ الأشجارِ ولا لكريِ الأنهارِ ولكن لظمأ الهواجرِ ومكابدةِ الليلِ ومزاحمةِ العلماءِ بالركب ِ . اللهم إني أعوذُ بكَ من يومٍ أُساقُ في صبيحتهِ إلى نارِ جهنم .
إن غايةَ ما يطلبهُ الميتُ إذا جاءهُ الموتُ العودةُ إلى الدنيا ليعملَ صالحاً ، قال تعالى : {حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ{99} لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} المؤمنون.
وغايةُ ما يطلبهُ أهلُ النارِ العودةُ إلى الدنيا ليعملوا صالحاً . {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ }فاطر37
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ }الأنعام93
فاللهم أجرنا من النارِ , و أحسن لنا الختامَ يا رب ا العالمين.
أقول ما سمعتم و استغفر الله لي و لكم و لسائر المسلمين فاستغفروه
و ارجوه إنه هو الغفور الرحيم .


الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ حمدًا كثيراً طيباً مباركاً فيهِ كما يحبُ ربنُا ويرضى ، وصلى اللهُ وسلمَ وباركَ على نبينا محمدٍ وآلهِ وصحابتِهِ والتابعينَ ومن تبعهُم بإحسانٍ إلى يوم ِالدين .
أما بعدُ :
فيا عبادَ الله :
لما حضرت أبا موسى - رضي الله عنه - الوفاةُ , دعا فتيانهُ , و قالَ لهم :إذهبوا فاحفروا لي و أعمقوا ...ففعلوا ..فقالَ : أجلسوني , فو الذي نفسي بيدهِ إنها لإحدى المنزلتينِ , إما ليوسعنّ عليّ قبري حتى يكونَ كلُ زاويةٍ منهُ أربعينَ ذراعاً ,ثم ليفتحنَّ ليَ بابٌ إلى الجنةِ , فلأنظرنَ إلى أزواجي و منازلي و ما أعدَ اللهُ عزَ و جلَ ليَ منَ الكرامةِ , ثم ليصيبني من روحها و ريحانها حتى أبعثَ .و لئن كانتِ الأخرى , و نعوذُ باللهِ منها ليضيقنَّ عليَّ قبري حتى يكونَ أضيقَ من القناةِ في الزُّج , ثم ليفتحنَّ ليَ بابٌ من أبوابِ جهنم , فلأنظرنَّ إلى سلاسلي و أغلالي و قرنائي , ثم ليصيني من سمومها , و حميمها حتى ابعثَ .
صدقتَ و اللهِ يا أبا موسى فرضي الله عنك و أرضاك .
هل تذكرنا الموت يا عبادَ اللهِ ؟ كيفَ هو حالُنا إذا فارقتِ الروحُ الجسد ؟ هل الموعدُ الجنة , فهنيئاً لمن كانَ موعدهُ الجنة , أم أنها النارُ , فيا ربِ أجرنا من بئسِ القرارِ .
ما حالُنا عندَ دفنِ الأمواتِ ؟ ما بالُنا كأن الحياةَ في أيدينا ! و كأن الموتَ غيرُ ملاقينا ! حتى في المقابرِ , و بينَ الأمواتِ , و في أعظمِ اللحظاتِ , لا ترى من يبكي , لا تسمعُ من ينوحُ و يشكي ,
قال معاويةُ رضي الله عنهُ عندَ موتهِ لمن حولهُ : أجلسوني ..
فأجلسوه .. فجلسَ يذكرُ اللهَ .. , ثم بكى .. و قالَ :
الآن يا معاويةُ .. جئتَ تذكرُ ربكَ بعدَ الانحطامِ و الانهدامِ .., أما كانَ هذا و غضُ الشبابِ نضيرٌ ريان ؟! ثم بكى و قالَ : يا ربِ , يا ربِ , ارحم الشيخَ العاصي ذا القلبِ القاسي .. اللهم أقلِ العثرةَ و اغفر الزلةَ .. و جد بحلمكَ على من لم يرجُ غيركَ و لا وثقَ بأحدٍ سواكَ ...
ثم فاضت روحهُ رضي الله عنه.
عبد الله
اختم هذا العام بتوبةٍ صادقةٍ , فلا تدري لعلَهُ يكونُ آخرُ عامٍ تطوى لكَ صحائفهُ , فالأعمارُ تنقضي , و في كلِ يومٍ ندنوا من آجالنا .
فاللهم أقل عثراتنِا , و اغفر زلاتِنا , و جد علينا بحلمكَ يا رحمانُ يا رحيم.
هذا و صلوا و سلموا ......
بواسطة : التحرير
 0  0  2659