×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

لامية العرب عين الأدب

قصص النجاة الكبيرة يبرز بينها أولئك الاشخاص المستعدون والقادرون دائمًا على التخلي عن كل ما يحتاجون ويرتاحون إليه، ويفعلون فقط.! كل ما يلزمهم ليبقوا على قيد الحياة. وكان مطلع لامية العرب بمثابة قانون التخلي الأبدي الذي لن تكون له نهاية، والاستعداد الذي يبدأ من زمن بعيد ويظل دائمًا باقٍ على حاله، والشنفرى في لاميته يحكي لنا قصة نجاة عظيمة يتخللها مجموعة من القصص والعبر، بدأها بتخليه عن الرحيل مع إخوته من أمه، وطالما أنهم "يعقلون" فالأرض لن تضيق عليهم، وأنهاها بوصف ساعة الأصيل وجمال التأمل فوق السفوح برفقة المُها العربية.

يخبرنا أنه اختار الشقاء والبقاء مع الأهلون الثلاثة لطلب الثأر، فبدأ القصة العظيمة بوصف كل واحد من أفراد عائلته بصفة فريدة تميزه عن الآخر، فوصف الأول بالذيب العملس القوي ووصف الثاني بالأرقط الزهلول المراوغ ووصف الزوجة بالعرفاء الجيأل الطويلة. وجعلنا نتنقل معه نقلات نوعية من مخاطر التخلي عن الراحة وعدم البقاء مع الإخوة إلى مخاطر التوهج الذي يعرض الانسان إلى خطر الاصابة بالعمى في شمس الصحراء وسفوح الحبال الحارقة، فالتوهج يشبه طعن الأعين بالزجاج بفعل حرق قرنية العين. ولكن كفاه اصحابه الثلاثة، رأسه المشيع المعصوب وسيفه المصلت البتار وقوسه العيطل الفتاكة، مخاطر الموت بالعمى والجوع والعطش.

وفي لاميته نبهنا إلى أنه ينبغي على الانسان أن يعصب رأسه ويغطي وجهه بقطعة قماش أو بجلد حيوان عندما يلوح في الأفق لمعان السراب المتوهج بفعل أشعة الشمس الحارقة، فمعظم رمال الصحراء عبارة عن أحواض من الملح، لذلك يستف المسافرون في الصحراء هذا الملح الرملي لتعويض ما فقدوه من أملاح بسبب التعرق المستمر، وأقرب مكان للنجاة من جحيم الرمال الحارقة هو اللجوء إلى أقرب سفح جبلي يلوح في الأفق.

وفي أخاديد الجبال هناك تحدي جديد يواجه الانسان عندما ينوي السير في السفوح، وهو معرفة الطريق الذي سيبدو كشق يسير من خلاله، فيذكر لنا الشنفرى أنه ليس بمحيار الظلام إذا برزت في طريقه الوعر صخرة صماء سوداء، وأن النزول ليلًا من قمة جبل وعر وضخم هو التحدي الأكبر، حيث أن التسلق إلى الأسفل ليس كالتسلق إلى الأعلى وقد يعلق الانسان في سفح الجبل فلا يتمكن من التسلق إلى أعلى أو إلى أسفل، لكن هذه الصخور اذا لاقت قدماه تطاير منها القدح والشرار.

ومن مخاطر الوهج والجوع والعطش ينقلنا إلى مخاطر البلل والبرد والسباع المفترسة وهي أكبر مخاطر السير في الجبال والسفوح، حيث يتعرض الانسان فيها إلى التجمد وقد يجد الماء السام الغير صالح للشرب بفعل الأملاح والترسبات، أو بفعل النباتات السامة التي تعيش حوله فتصيبه بالتسمم أو بالتعرق والتقيؤ والإسهال والارتعاش، وقد تؤدي إلى الغيبوبة، لذلك لا ينبغي شرب المياة التي لا تشرب منها الطيور. فرؤية الطيور في السماء دليل على وجود ماء في مكان قريب، وهي تشرب الماء في الصباح الباكر وعند أول المساء.

ثم يخبرنا عن قوت الجبال والصحاري الزهيد، وكيف يغدو على هذا القوت الزهيد ويتقاسمه مع أفراد عائلته، ويتفضل عليهم لكونه رب الأسرة والمسؤول عن بقائهم على قيد الحياة، فبعض البشر يأكلون الأفاعي بعد قتلها بسلخ جلدها وتنظيف أحشائها ولفها على عصا وطبخها على النار، حيث تعتبر من أقوى مصادر البروتين. ولكن زهد الصحراء والجبل لم ينسه ادب الطعام ونهي النفس عن العجلة والشراهة عند الأكل وصونها من الجشع إذ اجشع القوم أعجلهم.

ولا يقتصر زهد الجبال والصحراء على نوع الأكل وطبيعته بل يمتد إلى طريقة اعداده وطهيه، حيث يستخدم روث الحيوانات الجاف كوقود لأشعال النار وتستخدم الحجارة المسطحة مشواة توضع على النار لطهي اللحم. وأشر الأامراض هي التي تنشأ في الحيوانات قبل البشر بسبب ظروف البيئة، وبسبب الممارسات السيئة التي تفرضها البيئة الصحراوية والجبلية على الحيوان والانسان.

ويمتد زهد الجبال والصحاري إلى محل الاقامة ومخاطر الليل فيها، فعلى سبيل المثال، إذا أراد النائم البقاء على قيد الحياة فمن المفيد له أن يعرف بأن خط الدفاع الأول هو التبول حول مكان اقامته، فرائحة البول تحميه من الحيوانات المفترسة ليلًا ومن المفيد له أيضًا معرفة أن هذا الأمر يفيد مع بول الرجال فقط ولا يفيد مع بول النساء لقلة مادة التيسترون في بولهن.

أما النوم في العراء فهو يتطلب الحصول على جيفة يستخدم جسدها كسرير، وعلى جلد حيوان يستخدم كغطاء من البرد، كما يستخدم جوف الجيفة كملجأ طوارئ في العاصفة الرملية او المطرية الباردة بالدخول إلى جوف الجيفة والتغطي بجلدها، فهو يخبرنا بأن جلود الحيوانات تقي الانسان من العواصف بأنواعها ومن قسوة الأرض عندما تكثر فيها الحجارة الصغيرة الحادة أو تقيه حرارتها عندما تكون صخور كبيرة أو رمال متحركة.

ندرك من خلال اللامية أن لا شيء في الجبال أو الصحراء يذهب هدرًا، فكل شيء في الصحراء أو الجبل يجب أن يوظف في خدمة الجسم وتوفير الماء وتخزينه وحفظه، فالجيف وجلود الحيوانات وقرب الماء هي خير ما يهديه أهالي الصحراء والجبال لسالكيها، فالرياح الصحراوية تجفف الانسان بشكل استثنائي، فعندما يتعرق الانسان وتجففه الرياح ثم يتعرق ثانية يتعرض للموت والجفاف بشكل أسرع.

وتبين لنا اللامية أن مسألة الحصول على الماء في الصحراء والجبال مسألة حاسمة، ومعرفة أماكن وجود الماء تنتقل من جيل إلى جيل. وأن أهالي الصحراء والجبال هم الوحيدون الذين يعرفون أماكن جيوب الماء تحت الأرض، وهي المعرفة التي تعني أن هؤلاء الأشخاص هم الناجون الوحيدون، وأن الحياة في البدائية ليست مستحيلة بل ممكنة لكنها صعبة وأحيانًا مميتة.
 0  0  1255

أحدث الملفات

كتاب الطيور في السعودية: الجزء الأول: حياة الطيور و الجزء الثاني: أنواع الطيور

اصدار كتاب #الطيور_في_السعودية وهو فريد من نوعه - قامت بإصداره وطباعته شركة @aramco الكتاب من جزئين: الجزء الأول: حياة الطيور الجزء الثاني: أنواع الطيور:

0 | 1062 | 192

كتيب " الأذكار المضاعفة " اهده لمن تحب

كتيب الاذكار المضاعفه

0 | 2381 | 407